العلم في الشعر العربي

العلم في ميزان الشعر العربي

منذ العصور القديمة، كان العلم ولا يزال يمثل شعلة تنير دروب الحياة، وهو أساس التقدم والنماء. في الأدب العربي، تم تناول موضوع العلم من جوانب متعددة، حيث أعطاه الشعراء مكانة مرموقة تليق بعظمته وأثره في نهضة الأمم وازدهارها. لذلك، نجد أن العلم كان ولا يزال جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية للأمة العربية، وقد عبر الشعراء عن ذلك بمفرداتهم العميقة وصورهم البلاغية الرائعة.

العلم: شرف وفضل في الشعر العربي القديم

في الشعر العربي القديم، كان العلم يمثل قوة معنوية تضاهي السيوف في شراستها، ويؤثر في الفرد كما تؤثر المعرفة في تشكيل عقله وأفكاره. فقد ارتبط العلم بالفضل والرفعة، وكان الشعراء يصفون المتعلمين بأنهم أبناء النبل والكرامة، بينما كان الجهل يُنظر إليه على أنه فخ يؤدي إلى الهلاك. في هذا السياق، يقول الشاعر العربي الشهير أحمد شوقي في قصيدته:

“وما الفضل إلا لأهل العلم إنهم

على الهدى والرشاد يهتدون”

في هذه الأبيات، يجسد شوقي مفهوم العلم كقوة معنوية تؤهل صاحبها للريادة في الحياة وتفتح له أبواب الرفعة والمجد. فالعلم في نظره هو الذي يهدينا إلى الطريق الصحيح، ويمنح الإنسان القدرة على التفوق على الآخرين.

العلم وعلاقته بالحرية والتقدم

يمثل العلم عنصرًا حيويًا من عناصر التحول المجتمعي، وهو المحرك الرئيس لأي نهضة حضارية. يعتبر الشعراء أن العلم هو السبيل إلى التحرر من قيود الجهل والتخلف، وأن الأمم التي تفتقر إلى العلم تظل أسيرة للتقاليد البالية والأفكار السطحية. في هذا الصدد، يمكن أن نذكر قول المتنبي في قصيدته الشهيرة:

“وَعَينٌ تَطلُبُ الفَهمَ ليسَ تَشْرَفُ

سِوى البَصيرِ الذي يَعْرِفُ الحَقَّ جَاءَ”

هنا، يقر المتنبي بأن العين التي تسعى وراء العلم لا تتوقف عند حد النظر، بل تتطلب البصيرة والفهم العميق لتفسير الحقيقة واكتشاف ما وراء الظواهر. بعبارة أخرى، العلم يمنح الإنسان قدرة على التحرر من الأفكار الجاهلية والانطلاق نحو آفاق جديدة من المعرفة.

العلم بين المعلمين والمتعلمين

لقد كان الشعراء يوجهون خطاباتهم إلى المعلمين باعتبارهم الجنود المجهولين الذين ينيرون الطريق للأجيال الجديدة. المعلم في الشعر العربي ليس مجرد شخص يلقي الدروس، بل هو رمز للنور والهداية. فقد كانت الصورة الشائعة في الأدب العربي أن المعلم هو الذي يحمل مشعل العلم في أيديه، وينير به طريق الأمة نحو التفوق والازدهار.

يقول الشاعر معروف الرصافي في قصيدته الشهيرة:

“قُم للمعلم وفِّهِ التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا”

هنا، يصور الرصافي المعلم كرسول يحمل رسالة العلم التي هي أساس التقدم والازدهار. ليس المعلم فقط من يزرع المعرفة في عقول الطلاب، بل هو أيضا من يساهم في بناء الشخصية الإنسانية للمتعلم. العلم في هذا السياق ليس مجرد معرفة نظرية بل هو بناء متكامل يشمل الجوانب الروحية والأخلاقية والفكرية.

العلم في مواجهة الجهل

في الشعر العربي المعاصر، استمر موضوع العلم والجهل في شغل جزء كبير من اهتمام الشعراء. وقد ارتبطت قضية العلم بشكل كبير بمفهوم التقدم السياسي والاجتماعي. ففي الوقت الذي كان فيه الجهل يمثل أحد أكبر المعوقات التي تواجه الأمة العربية، كان العلم يشكل الأساس الذي يمكن أن يؤدي إلى التخلص من هذا العائق وتحقيق نهضة شاملة.

يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش:

“الجهل ليس عذرًا للحياةِ ولا نهايةً لها

والعلم مَدَارُ الوجودِ على مدارِ العالم”

هنا، ينقل درويش رسالة واضحة مفادها أن الجهل ليس حالة يمكن تبريرها في ظل الحياة الحديثة. بل إن العلم هو الذي يعطي الحياة معناها، ويجعل الإنسان قادراً على فهم مجريات الأمور وتوجيه نفسه إلى الأفضل.

العلم والتطور العلمي في الشعر الحديث

في العصر الحديث، بدأ الشعراء يتناولون موضوع العلم بشكل أوسع من خلال الحديث عن العلم بشكل عام وتطوره. لم يعد الحديث مقتصرًا على العلم التقليدي، بل شمل أيضًا التطورات الحديثة في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية. في هذا السياق، نجد أن الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي قد خصص بعض أبياته للحديث عن دور العلم في التحولات الكبرى التي حدثت في العالم:

“العلمُ نورٌ لمن أرادهُ

وبهِ يرفعُ الإنسانُ نفسه”

هنا، يدعو أبو ماضي إلى أن العلم هو المصدر الحقيقي للنور الذي يرفع الإنسان في عيني نفسه وفي أعين الآخرين. العلم ليس مجرد اكتساب للمعلومات، بل هو أداة قوية للوصول إلى الذات وتحقيق الطموحات.

العلم في الشعر النسائي

أما في الشعر النسائي، فقد وجدت المرأة العربية نفسها في قلب معركة من أجل التعلّم والتطور في وقت كان فيه المجتمع يشكك في قدرة المرأة على تجاوز حدود دورها التقليدي. كان الشاعرات، مثل مي زيادة وفدوى طوقان، يعبّرن عن طموحاتهن في تحصيل العلم والنهوض بالمجتمع. كان العلم بالنسبة لهن سلاحًا في مواجهة التقاليد والأعراف الاجتماعية التي كانت تكبّل المرأة.

تقول مي زيادة:

“لا تَحْسَبُوا أنَّ الحياةَ مجردَ شُرُودٍ

في بحرٍ من الجهل، بل العلمُ هو النور”

العلم بين الأسطورة والواقع

على الرغم من أن العلم في الشعر العربي قد تم تجسيده في أغلب الأحيان كقوة معنوية تحمل الخير والفلاح، فإن هناك أيضًا بعض الشعراء الذين تناولوا العلم في سياقات فلسفية أو حتى نقدية. كانوا يتساءلون عن مصير الإنسان في عالم يغرق في بحر من المعلومات، ومتى يصبح العلم عبئًا بدلًا من أن يكون وسيلة للتحرر.

خلاصة القول أن العلم كان ولا يزال قيمة أساسية في الأدب العربي، وسواء عبر عنه الشعراء بالثناء أو النقد، فقد ظل يمثل الأمل في التغيير والنهضة، وواجب الأمة العربية في مواجهة تحديات المستقبل.